فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

وفيه نزعة اعتزالية، وهو قوله: وأما التغليب والتسليط فلا، لأنه عندهم هو الذي تغلب وتسلط، فالتغليب والتسليط فعله لا فعل الله عندهم. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} الْآيَةَ.
قَالَ رحمه الله:
إنَّ إيتَاءَ اللَّهِ الْمُلْكَ لِلْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَاتِّسَاعِ الْحَالِ، وَهَذَا جَائِزٌ أَنْ يُنْعِمَ اللَّهُ عَلَى الْكَافِرِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الْمُلْكِ جَائِزٌ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكَافِرَ، وَأَمَّا الْمُلْكُ الَّذِي هُوَ تَمْلِيكُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَتَدْبِيرُ أُمُورِ النَّاسِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ؛ لِأَنَّ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى وَزَوَاجِرَهُ إنَّمَا هِيَ اسْتِصْلَاحٌ لِلْخَلْقِ فَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِصْلَاحُهُمْ بِمَنْ هُوَ عَلَى الْفَسَادِ مُجَانِبٌ لِلصَّلَاحِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتَمِنَ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ عَلَى أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَأُمُورِ دِينِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}. اهـ.

.قال البقاعي:

ولما أخبر سبحانه وتعالى بمحاجته بين ما هي تقريرًا لآية: {فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم} [البقرة: 243] دلالة على البعث ليوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فقال: {إذ} أي حاجه حين {قال إبراهيم ربي} أي الذي أحسن إليّ بخلقي وإدامة الهداية لي {الذي يحيي ويميت} أي وحده، وهذه العبارة تدل على تقدم كلام في هذا وادعاء أحد لمشاركة في هذه الصفة.
ولما كان كأنه قيل: هذا أمر ظاهر مجمع عليه فما ذا الذي يحاج المحاج فيه؟ أجيب بقوله: {قال} أي ذلك المحاج بجرأة وعدم تأمل لما ألفه من ذل الناس له وطواعيتهم لجبروته {أنا} أي أيضًا {أحيي وأميت} بأن أمُنَّ على من استحق القتل وأقتل من لا يستحق القتل.
فلما رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قد اجترأ على عظيم وأن محاجته في نفس الإحياء ربما خفيت أو طالت رأى أن يعجل إبهاته مع بيان حقارته بما هو أجلى من ذلك، وفيه أنه دون ما ادعاه بمراتب لأن الإحياء إفاضة الروح على صورة بعد إيجادها من العدم بأن {قال إبراهيم} وقال الحرالي: ولما كان من حسن الاحتجاج ترك المراء بمتابعة الحجة الملبسة كما قال تعالى: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرًا} [الكهف: 53] نقل المحاج من الحجة الواقعة في الأنفس إلى الحجة الواقعة في الآفاق بأعظم كواكبها الشمس {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} [فصلت: 53] ففي ظاهر الاحتجاج انتقال وفي طيه تقرير الأول لأن الروح شمس البدن فكأنه ضرب مثل من حيث إن الإحياء إنما هو أن يؤتى بشمس الروح من حيث غربت فكان في ظاهر واستقبال حجة قاطعة باطنه تتميم للحجة الأولى قال تعالى: {فإن} بالفاء الرابطة بين الكلامين إشعارًا لتتمة الحجة الأولى بالحجة الثانية- انتهى.
أي تسبب عن دعواك هذه أو أقول لك: إن {الله} بما له من العظمة والجلال باستجماع صفات الكمال {يأتي بالشمس} أي وهو الذي أوجدها {من المشرق} أي في كل يوم من قبل أن توجد أنت بدهور {فأت بها} أنت {من المغرب} ولو يومًا واحدًا.
قال الحرالي: إظهارًا لمرجع العالم بكليته إلى واحد، وأن قيوم الإنسان في الإحياء والإماتة هو قيوم الآفاق في طلوع الشمس وغروبها، وفي لحنه إشعار بأن الله سبحانه وتعالى لابد وأن يأتي بالشمس من المغرب ليكون في ذلك إظهار تصريفه لها حيث شاء حتى يطلعها من حيث غربت كما يطلع الروح من حيث قبضت ليكون طلوع الشمس من مغربها آية مقاربة قيام الساعة وطلوع الأرواح من أبدانها- انتهى.
{فبهت} قال الحرالي: من البهت وهو بقاء الشيء على حاله وصورته لا يتغير عنها لأمر يبهره وقعه أي فتسبب عن ذلك أنه بهت {الذي كفر} أي حصل له الكفر بتلك الدعوى التي لزمه بها إنكاره لاختصاصه سبحانه وتعالى بالقدرة على ذلك وادعاؤه لنفسه الشركة، فبين له الخليل عليه الصلاة والسلام بهذا المثال أنه عاجز عن تحويل صورة صورها الله سبحانه وتعالى ووضعها في جهة إلى غير تلك الجهة فكيف له بأن يوجد صورة من العدم فكيف ثم كيف بإفاضة الروح عليها فكيف بالروح الحساسة فكيف بالروح الناطقة! وسيأتي لهذا الشأن في سورة الشعراء مزيد بيان، فيالله ما أعلى مقامات الأنبياء! وما أصفى بصائرهم! وما أسمى درجاتهم وأزكى عناصرهم! عليهم أجمعين مني أعظم الصلاة والسلام وأعلى التحية والإكرام.
وقال الحرالي: فعرفه أي في قوله: {كفر} بوصفه من حيث دخل عليه البهت منه- انتهى.
أي لأنه ستر ما يعلمه من عجز نفسه وقدرة خالقه، فكشف سبحانه وتعالى بلسان خليله صلى الله عليه وسلم الستر الذي أرخاه كشفًا واضحًا وهتكه بعظيم البيان هتكًا فاضحًا.
ولما كان التقدير: لأنه ظلم في ادعائه ذلك وفي الوجه الذي ادعى ذلك بسبه من قتل البريء وترك المجترىء، قال سبحانه وتعالى: {والله} أي الذي لا أمر لأحد معه {لا يهدي القوم} أي الذين أعطاهم قوة المقاومة للأمور {الظالمين} عامة لوضعهم الأشياء بإرادته وتقديره في غير مواضعها، لأنه أظلم قلوبهم فجعلها أحلك من الليل الحالك فلم يبق لهم ذلك وجهًا ثابتًا يستمسكون به، فأين منهم الهداية وقد صاروا بمراحل عن مواطن أهل العناية! وقصر فعل الهداية لإفادة العموم، قال الإمام: فاختصر اللفظ إفادة لزيادة المعنى وهو من اللطائف القرآنية. اهـ.

.قال الفخر:

الظاهر أن هذا جواب سؤال سابق غير مذكور، وذلك لأن من المعلوم أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا للدعوة، والظاهر أنه متى ادعى الرسالة، فإن المنكر يطالبه بإثبات أن للعالم إلها، ألا ترى أن موسى عليه السلام لما قال: {إِنّى رَسُولُ رَبِّ العالمين} [الزخرف: 46] {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين} [الشعراء: 23] فاحتج موسى عليه السلام على إثبات الإلهية بقوله: {رَبّ السموات والأرض} فكذا هاهنا الظاهر أن إبراهيم ادعى الرسالة، فقال نمروذ: من ربك؟ فقال إبراهيم: ربي الذي يحيي ويميت، إلا أن تلك المقدمة حذفت، لأن الواقعة تدل عليها. اهـ.

.قال أبو حيان:

وفي قول إبراهيم: {ربي الذي يحيي ويميت} تقوية لقول من قال إن الضمير في قوله: في ربه، عائد على إبراهيم.
و{ربي الذي يحيي ويميت}، مبتدأ وخبر، وفيه إشارة إلى أنه هو الذي أوجد الكافر ويحييه ويميته، كأنه قال: ربي الذي يحيي ويميت هو متصرّف فيك وفي أشباهك بما لا تقدر عليه أنت ولا أشباهك من هذين الوصفين العظميين المشاهدين للعالم اللذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء ولا طب الأطباء، وفيه إشارة أيضًا إلى المبدأ والمعاد وفي قوله: {ربي الذي يحيي ويميت} دليل على الاختصاص لأنهم قد ذكروا أن الخبر، إذا كان بمثل هذا، دل على الاختصاص، فتقول: زيد الذي يصنع كذا، أي: المختص بالصنع. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وفي تقديم الاستدلال بخلق الحياة إدماج لإثبات البعث لأنّ الذي حاجّ إبراهيم كان من عبدة الأصنام، وهم ينكرون البعث.
وذلك موضع العِبرة من سياق الآية في القرآن على مسامع أهل الشرك، ثم أعقبه بدلالة الأمانة، فإنّه لا يستطيع تنهية حياة الحي، ففي الإحياء والأمانة دلالة على أنّهما من فعل فاعل غير البشر، فالله هو الذي يحيي ويميت.
فالله هو الباقي دون غيره الذين لا حياة لهم أصلًا كالأصنام إذْ لا يُعطون الحياة غيرَهم وهم فاقدوها، ودون من لا يدفع الموت على نفسه مثل هذا الذي حاجّ إبراهيم. اهـ.

.قال الفخر:

دليل إبراهيم عليه السلام كان في غاية الصحة، وذلك لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بواسطة أفعاله التي لا يشاركه فيها أحد من القادرين، والأحياء والإماتة كذلك، لأن الخلق عاجزون عنهما، والعلم بعد الاختيار ضروري، فلابد من مؤثر آخر غير هؤلاء القادرين الذين تراهم، وذلك المؤثر إما أن يكون موجبًا أو مختارًا، والأول: باطل، لأنه يلزم من دوامه دوام الأثر، فكان يجب أن لا يتبدل الأحياء بالاماتة، وأن لا تتبدل الاماتة بالأحياء، والثاني: وهو أنا نرى في الحيوان أعضاء مختلفة في الشكل والصفة والطبيعة والخاصية، وتأثير المؤثر الموجب بالذات لا يكون كذلك فعلمنا أنه لابد في الأحياء والاماتة من وجود آخر يؤثر على سبيل القدرة، والاختيار في إحياء هذه الحيوانات وفي إماتتها، وذلك هو الله سبحانه وتعالى، وهو دليل متين قوي ذكره الله سبحانه وتعالى في مواضع في كتابه كقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مّن طِينٍ} [المؤمنون: 12] إلى آخره، وقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين} [التين: 4، 5] وقال تعالى: {الذى خَلَقَ الموت والحياة} [الملك: 2]. اهـ.
وقال الفخر:
يروى أن إبراهيم عليه السلام لما احتج بتلك الحجة، دعا ذلك الملك الكافر شخصين، وقتل أحدهما، واستبقى الآخر، وقال: أنا أيضًا أحيي وأميت، هذا هو المنقول في التفسير، وعندي أنه بعيد، وذلك لأن الظاهر من حال إبراهيم أنه شرح حقيقة الأحياء وحقيقة الإماتة على الوجه الذي لخصناه في الاستدلال، ومتى شرحه على ذلك الوجه امتنع أن يشتبه على العاقل الإماتة والإحياء على ذلك الوجه بالإماتة والإحياء بمعنى القتل وتركه، ويبعد في الجمع العظيم أن يكونوا في الحماقة بحيث لا يعرفون هذا القدر من الفرق، والمراد من الآية والله أعلم شيء آخر، وهو أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما احتج بالإحياء والإماتة من الله قال المنكر، تدعى الإحياء والإماتة من الله ابتداء من غير واسطة الأسباب الأرضية والأسباب السماوية، أو تدعى صدور الإحياء والإماتة من الله تعالى بواسطة الأسباب الأرضية والأسباب السماوية، أما الأول: فلا سبيل إليه، وأما الثاني: فلا يدل على المقصود لأن الواحد منا يقدر على الإحياء والإماتة بواسطة سائر الأسباب، فإن الجماع قد يفضي إلى الولد الحي بواسطة الأسباب الأرضية والسماوية، وتناول السم قد يفضي إلى الموت، فلما ذكر نمروذ هذا السؤال على هذا الوجه أجاب إبراهيم عليه السلام بأن قال: هب أن الإحياء والإماتة حصلا من الله تعالى بواسطة الاتصالات الفلكية إلا أنه لابد لتلك الاتصالات والحركات الفلكية من فاعل مدبر، فإذا كان المدبر لتلك الحركات الفلكية هو الله تعالى، كان الإحياء والإماتة الحاصلان بواسطة تلك الحركات الفلكية أيضًا من الله تعالى، وأما الإحياء والإماتة الصادران على البشر بواسطة الأسباب الفلكية والعنصرية فليست كذلك، لأنه لا قدرة للبشر على الاتصالات الفلكية، فظهر الفرق.
وإذا عرفت هذا فقوله: {إِنَّ الله يَأْتِ بالشمس مِنَ المشرق} ليس دليلًا آخر، بل تمام الدليل الأول: ومعناه: أنه وإن كان الإحياء والإماتة من الله بواسطة حركات الأفلاك، إلا أن حركات الأفلاك من الله فكان الإحياء والإماتة أيضًا من الله تعالى، وأما البشر فإنه وإن صدر منه الإحياء والإماتة بواسطة الاستعانة بالأسباب السماوية والأرضية إلا أن الأسباب ليست واقعة بقدرته، فثبت أن الإحياء والإماتة الصادرين عن البشر ليست على ذلك الوجه، وأنه لا يصلح نقضًا عليه، فهذا هو الذي أعتقده في كيفية جريان هذه المناظرة، لا ما هو المشهور عند الكل، والله أعلم بحقيقة الحال. اهـ.